top of page

وذكر ابن الأثير: أنه لما ملك أخوه حسن مكة، كان مقيماً في العرب([199]) بظاهر مكة، يفسد وينازع أخاه حسناً في ملك مكة. فلما سار حجاج العراق، كان الأمير عليهم،مملوك([200]) من مماليك الخليفة الناصر لدين الله اسمه آقباش، فقصده راجح بن قتادة، وبذل له وللخليفة مالاً ليساعده على ملك مكة، فأجابه إلى ذلك. ووصلوا إلى مكة، ونزلوا بالزاهر، وتقدم إلى مكة مقاتلاً لصاحبها حسن، وكان قد جمع جموعاً كثيرة من العرب وغيرهم، فخرج إلى من مكة وقاتله. وذكر ما سبق في ترجمة حسن بن قتادة، من قتل أصحابه لآقباش.
وذكر ابن محفوظ: أن راجح بن قتادة باين أخاه حسن بن قتادة، لما ملك مكة بعد موت أبيه. فلما كان الموسم الذي نمات فيه أبوه،ـ تعرض راجح لقطع الطريق بين مكة وعرفه، فمسكه أمير الحاج، وأقام معه على الحوطة، فأرسل إليه صاحب مكة -يسعني حسن بن قتادة - يقول له: سلِّمه إلي وأسلم إليك مالاً جزيلاً، فاتفقا على ذلك. فقال راجح للأمير: أنا أدفع إليك أكثر مما يدفع، فأجابه إلى ذلك، وعزم الأمير آقباش على جبل الحبشي([201])، وهرب راجح إلى جهة اليمن، ثم توجه إلى الملك المسعود ملك اليمن.
وذكر أيضاً: أن الملك المسعود، لما ملك مكة، ولَّى راجحاً حلي ونصف المخلاف.
وولي راجح بن قتادة مكة غير مرة، في زمن الملك المنصور صاحب اليمن، مع عسكر الملك المنصور، وجرى بينهم وبين عسكر صاحب مصر الملك الكامل، وابنه الملك الصالح أيوب في ذلك أمور، ذكرها جماعة من المؤرخين، منهم ابن البزوري؛ لأنه قال في ذيل المنتظم لابن الجوزي في أخبار سنة تسع وعشرين وسبعمائة: في ربيع الآخر، تغلَّب راجح بن قتادة العلوي الحسني على مكة، وأخرج عنها المتولي عليها من قبل الملك الكامل زعيم مصر، فبلغ ذلك مستنيبه، فنفذ له عسكراً نجدة له، فعرف ذلك راجح فخرج عنها.
وقال في أخبار سنة ثلاثين وستمائة: في محرم منها، جمع راجح بن قتادة جمعاً عظيماً، وقدم مكة شرفها الله تعالى، فدخلها واستولى عليها، وطرد عنها من كان بها من عسكر الملك الكامل زعيم مصر، وأمده الملك المنصور عمر بن علي بن رسول زعيم اليمن بعساكره، وأخرج عنها متوليها الطغتكين، من قِبَل الكامل.
وفي هذه السنة، وصل عسكر مصر إلى مكة واستولى عليها، وأخرج عنها أميرها راجح بن قتادة، وعدلوا في أهلها وأحسنوا السيرة.
وفي أوائل صفر سنة ثلاث وثلاثين، وصل الحاج، وأخبروا بطيب حجهم، وأن الملك الكامل نفذ بعض زعمائه في ألف فارس إلى مكة، فأخرجوا عنها راجح بن قتادة واستولى عليها.
وذكر النويري في كتابه نهاية الأرب، بعض ما ذكره ابن البزوري من خبر راجح بن قتادة، وأفاد في ذلك ما لم يفده البزوري؛ لأنه ذكر أن في صفر سنة ثلاثين وستمائة، تسلم راجح بن قتادة مكة، وكان قصدها في سنة تسع وعشرين، وصحبته عسكر صاحب اليمن الملك المنصور، وكان الأمير فخر الدين بن الشيخ بمكة، ففارقها.
وذكر أن في سنة اثنتين وثلاثين، توجه الأمير أسد الدين جفريل إلى مكة، وصحبته سبعمائة فارس، فتسلمها في شهر رمضان، وهرب منها راجح بن قتادة، ومن كان بها من عسكر اليمن.
فاستفدنا من هذا، تعيين مقدار عسكر الكامل الذي أنفذه ىى مكة، في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وتعيين أميره، وتعيين استيلائهم على مكة، ووقت خروج راجح منها، وكل ذلك لا يفهم مما ذكره ابن البزوري. واستفدنا مما ذكره في أخبار سنة ثلاثين([202])، أن استيلاء راجح بن قتادة على مكة فيها، كان في صفر من هذه السنة، وهو يخالف ما ذكره ابن البزوري في تاريخ استيلاء راجح على مكة في هذه السنة، وأن الأمير فخر الدين بن الشيخ، كان بمكة في هذه السنة.
وذكر ابن محفوظ هذه الأخبار، وأفاد فيها ما لم يفده غيره؛ لأنه قال: سنة تسع وعشرين وستمائة، جهز الملك المنصور في أولها جيشاً إلى مكة وراجح معه، فأخذها، وكان فيها أمير الملك الكامل، يسمى شجاع الدين الدغدكيني، فخرج هارباً إلى نخلة، وتوجه منها إلى ينبع، وكان الملك الكامل وجه إليه بجيش، ثم جاء إلى مكة في رمضان، فأخذها من نواب الملك المنصور، وقتل من أهل مكة ناساً كثيراً على الدرب، وكانت الكسرة على من بمكة.
وقال أيضاً في سنة ثلاثين وستمائة: ثم جاء الشريف راجح بعسكر من اليمن، فأخرج من كان بمكة من المصريين بالإرجاف بلا قتال، وفي آخرها حج أمير من مصر، يقال له الزاهد، في سبعمائه فرس، فتسلم مكة وحج بالناس، وترك في مكة أميراً يقاتل له ابن المجلى، في خمسين فارساً، أقام بمكة سنة إحدى وثلاثين.
وذكر بعض العصريين في بعض تواليفه، شيئاً من خبر الأمير راجح بن قتادة لمكة، في زمن الملك المنصور صاحب اليمن، وما جرى لراجح وعسكر المنصور، مع عسكر الملك الكامل، وابنه الملك الصالح؛ لأنه ذكر أن الملك المنصور، لما تسلطن باليمن بعد الملك المسعود، بعث راجح بن قتادة، وابن عبدان، في جيش إلى مكة، فنزلوا الأبطح، وراسل راجح أهل مكة، وذكَّرهم إحسان المنصور إليهم، أيام نيابته بمكة عن المسعود، فمال رؤساؤهم إليه، وكانوا حالفوا طغتكين، متولي مكة من قبل الملك الكامل صاحب مصر، بعد أن أنفق عليهم، فلما عرف طغتكين ذلك، هرب إلى ينبع، فاستولى راجح وأصحابه على مكة المشرفة، وذلك في ربيع الآخر من سنة تسع وعشرين وستمائة. ولما عرف بذلك صاحب مصر الملك الكامل، بعث إلى مكة عسكراً كثيفاً، مقدمهم الأمير فخر الدين بن الشيخ، فتسلموا مكة، وقتل ابن عبدان وجماعة من أهل مكة، ثم عن راجحاً جمع جمعاً، وأمده صاحب اليمن بعساكر، وقصد مكة فتسلمها في صفر سنة ثلاثين، وخرج منها فخر الدين بن الشيخ. فلما كان في آخر هذه السنة، وصل من مصر أمير يقال له الزاهد، في سبعمائة فارس، فتسلم مكة وحج بالناس. فلما كانت سنة إحدى وثلاثين، جهز الملك المنصور عسكراً جراراً وخزانة إلى راجح، فنهض الشريف راجح في العسكر المنصوري، وأخرجوا العسكر المصري، ثم إن راجحاً هرب من مكة، لما قدمها المنصور حاجاً في هذه السنة، لما قدمها المنصور حاجاً إلى اليمن، وأرسل المنصور إلى راجح في سنة اثنتين وثلاثين، بخزانة كبيرة على يد ابن النصيري، وأمره باستخدام الجند، فلم يتمكن راجح من ذلك، لوصول العسكر المصري، الذي أنفذه الكامل مع الأمير جفريل المقدم ذكره، وتوجه راجح وابن عبدان إلى اليمن. فلما كانت سنة ثلاث وثلاثين، بعث المنصور عسكراً من اليمن، مقدمهم الأمير الشهاب ابن عبدان، وبعث بخزانة إلى راجح، وأمره باستخدام العسكر، ففعل. فلما صاروا قريباً من مكة، خرج إليهم العسكر المصري، والتقوا بمكان يقال له الخريقين([203]) بين مكة والسَّرَّيْن، فانهزمت العرب أصحاب راجح، وأسر ابن عبدان، وبعث به إلى مصر مقيداً، ثم انهزم العسكر المصري من مكة، لما توجه راجح إلى مكة في صحبة المنصور، وذلك في سنة خمس وثلاثين، وأقام عسكر المنصور بمكة سنة ست وثلاثين، ولا أدري هل كان راجح معهم أم لا، ثم خرج العسكر المنصوري في سنة سبع وثلاثين من مكة، لما وصل إليها الشريف شيحة بن هاشم بن قاسم ابن مهنا الحسيني أمير المدينة، في ألف فارس من مصر، فجهز المنصور راجحاً وابن النصيري في عسكر جرار. فلما سمع به شيحة وأصحابه هربوا من مكة، ثم أخذها العسكر المصري في سنة ثمان وثلاثين. فلما كانت سنة تسع وثلاثين، جهز المنصور جيشاً كثيفاً إلى مكة مع راجح، فبلغه أن صاحب مصر الصالح أيوب بن الكامل، أنجد العسكر المصري الذي بمكة بمائة وخمسين فارساً، فأقام راجح بالسَّرَّين، وعرف المنصور الخبر، فتوجه المنصور في جيش كثيف، فدخل مكة في رمضان من سنة تسع وثلاثين، بعد هرب المصريين، واستناب بمكة مملوكه فخر الدين الشلاح، ولا أدري هل استناب معه راجحاً أم لا، والظاهر أنه لم يستنبه، ثم عاد راجح لإمرة مكة؛ لأن ابن محفوظ ذكر انه تسلم مكة في آخر يوم ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وستمائة، لما انتزعها من جماز بن حسن بن قتادة بلا قتال. وذكر أن راجحاً أقام بمكة متولياً، حتى أخرجه منها ولده غانم بن راجح، في ربيع الأول من سنة اثنتين وخمسين.
وذكر شيخنا ابن خلدون: أن راجحاً عاد إلى مكة في سنة خمس وثلاثين مع الملك المنصور، وخطب له بعد المستنصر الخليفة العباسي، واستمر إلى سنة سبع وأربعين، فتوجه إلى اليمن هارباً لما استولى عليها ابن أخيه أبو سعد بن علي بن قتادة، وسكن الرين، يعني الموضع المعروف اليوم بالواديين([204])، ثم قصد مكة في سنة ثلاث وخمسين، وانتزعها من جماز بن حسن.
قلت: هذا فيه نظر من وجوه:
منها: أن راجحاً لم يستمر على مكة من سنة خمس وثلاثين، إلى سنة سبع وأربعين: لأنه وليها في هذه المدة جماعة، كما تقدم بيانه.
ومنها: أن راجحاً لم ينتزع مكة من جماز في سنة ثلاث وخمسين، وإنما انتزعها قبل ذلك، كما تقدم بيانه في هذه الترجمة، وترجمة جماز.
وكانت وفاة راجح في سنة أربع وخمسين وستمائة، على ما ذكره الميورقي فيما وجدت بخطه، ولم أستفد ذلك إلا منه. وبلغني أنه كان مفرطاً في الطول، حيث تصل يده وهو قائم إلى ركبته. انتهى قول التقي الفاسي.
المؤلف: إنما نقلت هذا النص بطوله عن صاحب العقد ولم أحذف منه إلاّ ما لا فائدة فيه، وذلك لأمور، منها
1- لترى جد الشريف راجح ومثابرته على أمر مكة رغم تلك الهزائم المتكررة، حتى وافاه الأجل.
2- لترى ما وصل إليه الناس، وخاصة حكام الشطوط من التلاعب بأمر مكة، وهَوَان أهلها عليهم بحيث صارت تخرج من يد ذا إلى يد ذاك في السنة الواحدة عدة مرات، ويقتل أهلها في الطرقات، وتنهب منهم حتى ثيابهم.
3- إن القوى بين مصر واليمن كانت متكافئة، بحيث كل من يهجم على مكة يغلب من كان فيها، ويبطش بأهل الله وجيرانه، حتى أن حمام الحرم كان يصاد في وسط المسجد الحرام.
4- غياب الخلافة عن هذا النزاع، وكأنها كما قال الشاعر
ويقضي الأمر، حين تغيب تَيْمٌ
ولا يستأمرون وهم شهود
5- وظاهرة غريبة، وهي أننا لا نجد ذكراً لأحد من الأشراف، إلى صف راجح، بينما نجده -فيما سيأتي- يهب للصلح بينهم إذا تنازعوا.
خاتمة راجح: وخاتمته أن آخر من أقصاه عن إمرة مكة ابنه غانم، ولا تستقيم أخبار راجح إلا بعد قراءة أخبار ابن أخيه أبي سعد ابن علي، فأخبار راجح وأبي سعد وجماز ابن حسن وغانم بن راجح متداخلة، وشكك بعض المعاصرين أن يكون راجح قد ولي مكة، وإنما كان صاحب السَّرَين من سنة (629 هـ/ 1231م) إلى أن مات سنة (654 هـ/ 1256م)، وما يؤخذ من نصوص المتقدمين أولى.
قلت: والقول إنه صاحب السرين([205]) إلى أن مات، لا يتنافى مع ولاية مكة، إذ يبد أن راجحاً جعل السرين قاعدة أمينة له، يلجأ إليها كلما غلب، ولكن من الواضح من كل ما قيل عن راجح إنه لم يلي مكة ولاية مستقلة، إلا اللهم آخر ولاية التي كرده منها ابنه غانم -التابع خبره- أما قبله فكانت كل ولاياته تحت رماح اليمنيين، إذا أقبلوا أقبل معهم وإذا انهزموا انهزم معهم، أما الأخيرة فلو لم تكن استقلالاً ما استطاع ابنه التغلب عليه، ولقاتله جنود ملك اليمن.
وبقراءة أخبار ابن أخيه الآتية يتضح شيء آخر.
وفي ترجمة جماز الآتية، قال شيخ الإسلام أحمد بن زيني دحلان: واستمر إلى الحج -أي جماز بن حسن بن قتادة -فقدم عمه راجح بن قتادة بجيش، واستولى على مكة، وخرج منها جماز، بلا قتال، وكانت هذه الولاية للشريف راجح آخر ولايته بمكة، واستمر فيها إلى شهر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وستمائة، فهجم على مكة ابنه (غانم بن راجح) وانتزع الملك من أبيه، وتوفي الشريف راجح سنة (654هـ)... الخ([206]). فإذا عرفت أن الشيخ الدحلان أكثر مؤرخي مكة اختصاصاً بالأشراف، عرفت منه أن راجحاً أحد أمراء مكة، وأن آخر ولاية له انتزعها منه ابنه غانم الآتية ترجمته، وأن راجحاً توفي سنة (654 هـ/1256 م).والعصامي يقول -في أخبار جماز-: فلما كان آخر يوم من ذي الحجة (651هـ) قدم عمه راجح بن قتادة ففر منه جماز بلا قتال إلى ينبع([207]). ثم وليها راجح، واستمر إلى سنة (652هـ)، فلما كان شهر ربيع منها هجم عليه ابنه غانم بن راجح، وأخرجه منها بلا قتال، فوليها غانم إلى شهر شوال، ثم وليها أبو نمي([208]).أين دفن راجح \" لم أر من ذكر أين توفي راجح وأين دفن، ولكنه بعد أن ترك إمرة مكة ظل يتردد -لعله من السرين- على مكة، وقد أصلح بين أخيه إدريس وحفيد أخيه أبي نمي الأول: محمد بن حسن بن علي بن قتادة، ثم مات بنفس السنة، فلعله مات في مكة.أبناؤه: لم يذكر مؤرخوه أحداً من أبنائه في ترجمته، ولكن ذكروا ابنه غانم كأمير لمكة.ويبدو أن راجحاً عمّر طويلاً، إذ أن أباه مات سنة (617هـ) ومات هو سنة (654هـ)، فإذا عرفت أن أباه بلغ التسعين عاماً، وأن راجحاً أكبر بنيه كما كان يزعم، فكم كان عمره عندما توفي؟!! ولم أسمع أن له ذرية باقية في الحجاز، أما الرواجحة المعروفون اليوم بوادي فاطمة فيقول نسابو الأشراف إنهم ذرية راجح بن أبي نمي الآتي ذكره، أما الذين في محافظة القنفذة فهم من نسل الحسن بن أبي نمي الثاني، أبوهم راجح بن محمد بن مساعد بن مسعود بن الحسن بن أبي نمي حمد بن بركات.

21- الشريف غانم بن راجح بن قتادة 
كان حياً سنة (652 هـ/ 1254 م):
قال صاحب العقد: أمير مكة. تسلمها من أبيه في ربيع الأول سنة (652هـ) بغير قتال، وأقام بها إلى شوال، فأخذها منه أبو نمي، وإدريس بن قتادة، ولم يقتل منم إلا ثلاثة أنفس، منهم: عالي شيخ المبارك([209]). (بتصرف عن العقد الثمين (غانم)).
أما صاحب خلاصة الكلام، فقد قال -بعد ما رويناه في ترجمة جماز آنفة الذكر-: واستمر فيها -أي راجح- إلى شهر ربيع الأول سنة (652هـ)، فهجم على مكة ابنه (غانم بن راجح) وانتزع الملك من أبيه، وتوفي الشريف راجح سنة (654هـ). واستمر غانم بن راجح إلى شوال من نفس السنة، فانتزعها منه أبو نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة، وعمه إدريس بن قتادة([210])، بعد قتال بنيهم مات فيه ثلاثة أنفار (أشخاص) واستمر إلى الخامس والعشرين من ذي القعدة، فجاء بجيش (المبارز بن علي بن الحسن بن برطاس) من الملك المظفر صاحب اليمن... الخ.
وبهذا تكون ولاية غانم المذكور: بين ربيع الأول وشوال من سنة (652هـ) أما الذي استمر إلى الخامس والعشرين من ذي القعدة، فهو الحرب بين الشريفين إدريس وأبي نمي وبين ابن برطاس، وسيأتي في ترجمتهما.
ونلاحظ في ترجمة الشريكين: إدريس وأبي نمي محمد بن الحسن، ما يأتي
1- ينص في العقد الثمين أن إدريس هذا هو ابن قتادة، وهو في هذه الحالة ليس عم أبي نمي إلا مجازاً، إذ هو عم أبيه، بينما نص صاحب خلاصة الكلام أن إدريس هذا هو ابن علي بن قتادة، فهو في هذه الحالة عم أبي نمي حقيقة، فإلى ترجمتهما المقبلة.
2- إن الشراكة بينهما أول شراكة في الحكم بين شخصين ليسا أباً وابنه، ثم سوف تتكرر كثيراً في (تأريخ الأشراف).
ويقول العصامي([211]):... ثم وليها راجح بن قتادة، واستمر إلى سنة (652هـ)، فلما كان شهر ربيع الأول منها، هجم عليه ابنه غانم بن راجح، وأخرجه بلا قتال.
فوليها غانم في شهر ربيع الأول، واستمر إلى شوال من السنة المذكورة، ثم وليها أبو نمي، وعمه إدريس بن حسن بن قتادة، وأخرج غانم منها، أي في شوال من نفس السنة، وحكمه نحو سبعة أشهر. وهنا خلاف آخر في إدريس، فالعصامي يقول: إدريس بن حسن بن قتادة، وفي ترجمته المقبلة سنحقق من هو إدريس هذا، إن شاء الله.
22- الشريف إدريس بن قتادة بن إدريس بن مطاعن: ت (669 هـ/1270 م):
قال السيد تقي الدين الفاسي([212]): 
أمير مكة، ولي إمرتها نحو سبع عشرة سنة، شريكاً لابن أخيه([213]) أبي نمي في أكثر هذه المدة، وانفرد بها وقتاً يسيراً، وجرت بينهما أمور. فمن ذلك: أن أبا نمي أخذ مكة في سنة (654هـ)، لما راح إدريس إلى أخيه راجح بن قتادة، ثم جاء هو وراجح إلى مكة، وأصلح راجح بن أبي نمي وإدريس. ومنها أن في سنة (667هـ)، وقع بين أبي نمي وإدريس خُلف، فأخرج أبو نمي إدريس من مكة. فجمع إدريس وحشد، ثم اصطلحا. وفي سنة (669هـ)، وقع بين إدريس وأبي نمي خُلْف، استظهر فيه إدريس على أبي نمي، فتوجه أبو نمي إلى ينبع، واستنجد بصاحبها، وجمع وحشد والتقيا وتحاربا، وظفر أبو نمي بإدريس، فألقاه عن جواده، ونزل وحز رأسه.





 

 

- الشريف الحسن بن قتادة 
( -623 هـ/ -1226 م):
وبقية النسب تقدم آنفاً في ترجمة أبيه قتادة نابغة بني حسن.
ولي مكة بعد أبيه نحو ثلاث سنين. قال مؤرخوه -لما مات قتادة-: ملك بعده الحسن هذا، فقام أخوه راجح بالمطالبة بالملك، فصار يقيم بظاهر مكة، وينازع أخاه حسناً، فلما سار حجاج العراق، وكان أميرهم مملوكاً اسمه آقباش، فقصده راجح بن قتادة، وبذل له وللخليفة الناصر العباسي مالاً على أن يملكه مكة فأجابه إلى ذلك، فوصلوا إلى مكة، ونزلوا الزاهر، فتقدموا إلى مكة محاربين لصاحبها حسن، وكان مع راجح جموع من العرب وغيرهم، فخرج إليهم الحسن وقاتلهم، وقتل آقباش وعلقوا رأسه، فانهزم عسكر أمير الحاج، ولكن الحسن أجار الحجاج من القتل والنهب.
فلما وصلت أخبار هذه الحوادث إلى الخليفة الناصر عظم عليه الأمر فأرسل إليه حسن يعتذر، فعفا عنه الخليفة. وقيل: بل إن راجحاً اجتمع بآق باش في عرفات، وطلب مساعدته في توليه إمرة مكة، وقال: أنا أكبر ولد قتادة، فلم يجبه إلى ذلك، ولكن حسناً ظن أن آقباش قد ولّى راجحاً فأغلق أبواب مكة.
وقال ابن الأثير: -في أخبار سنة عشرين وستمائة- في هذه السنة سار الملك المسعود أتسز بن الملك الكامل محمد إلى مكة، وصاحبها حينئذ حسن بن قتادة، وكان حسن قد أساء السيرة إلى الأشراف والمماليك الذين كانوا لأبيه([175])، وقد تفرقوا عنه، ولم يبق عنده غير أخواله من عنزة، فوصل المسعود إلى مكة رابع ربيع الآخرة، فلقيه الحسن، وقاتله بالمسعى ببطن مكة، فكانت الغلبة للمسعود، وانهزم حسن، وملكها صاحب اليمن ونهبها عسكره، قال بعض المجاورين: إنهم نهبوها حتى أخذوا الثياب من على الناس، وأمر صاحب اليمن أن ينبش قبر قتادة ويحرق، فنبشوه، فظهر التابوت الذي دفنه ابنه الحسن، والناس ينظرون إليه، فما وُجد فيه شيء، فعلموا أن الحسن دفن أباه سراً وإنه لم يجعل في الثابوت شيئاً، وذاق الحسن عاقبة قطيعة الرحم وعجل الله له العقوبة، وزال عنه ما قتل أباه وعمه وأخاه من أجله! وذكر ابن محفوظ أن إخراج الحسن بن قتادة من مكة، كان سنة (619هـ)، وذكر ذلك غيره.
قال: وصل الملك المسعود، إلى مكة -كما مر- وخرج حسن، فتسلمها السلطان وراجح بن قتادة معه، ورد السلطان على أهل الحجاز جميع أموالهم ونخلهم، وما كان أخذ من الوادي جميعه([176])، ومن مكة، وولّى راجحاً حلي([177]) ونصف المخلاف، واستناب السلطان على مكة الأمي نور الدين بن علي ابن رسول، ورتب معه ثلاثمائة فارس.. الخ.
أما حسن فإنه راح إلى ينبع([178]) وجاء بجيش، وخرج إليه نور الدين وكسره على الخربة([179]).
... سنة (623هـ)، وفيها توفي حسن بن قتادة امير مكة، وكان قد ولي الإمارة بعد أبيه. ويقال: إنه دخل على أبيه وهو مريض فقتله خنقاً، وولي الإمارة مغالبة، وكان سيء العشرة والسيرة ظلوماً مقداماً، وهو الذي قتل أمير الحاج آقباش في سنة (617هـ)، وأحدق في مكة أموراً منكرة، فأريد القبض عليه، فخرج على أقبح صورة، فقصد الشام فلم يلتفت إليه، فتوجه إلى العراق، ووصل إلى بغداد، فأدركه أجله، في الجانب الغربي على دكة هناك. فلما عُلم به غُسل وكُفّن، ودفن في مشهد موسى (الكاظم).
وقيل: لما وصل بغداد همَّ أهل بغداد بقتله قوداً بآقباش الناصري([180])، ولكن عاجلته المنية، قبل قتله.
أما ما قيل من قتل حسن بن قتادة أباه وأخاه وعمه، فقد ذكر ابن الأثير صورة ذلك، فقال: وقيل في موت قتادة أن ابنه حسناً خنقه، وسبب ذلك أن قتادة جمع جموعاً كثيرة، وسار يريد المدينة، فنزل بوادي الفرع وهو مريض، وسير أخاه على الجيش ومعه ابنه الحسن، فلما أبعدوا بلغه أن عمه (الحسن) ([181]) قال لبعض الجند: إن أخي مريض، وهو ميت لا محالة، وطلب منهم أن يحلفوا له ليكون هو الأمير بعد أخيه قتادة، فحضر الحسن عنده، واجتمع إليه كثير من الأشراف والمماليك الذين لأبيه، فقل حسن لعمه: قد فعلت كذا وكذا. قال: لم أفعل. وأمر حسن الحاضرين بقتله، فلم يفعلوا، فأمر غلامين له فجعلا عمامته في حلقه، ثم قتله، فلما سمع قتادة الخبر حلف ليقتلن ابنه، فكتب بعض أصحاب حسن إليه يعرفه الحال بقوله: ابدأ به قبل أن يقتلك، فعاد الحسن إلى مكة، فوثب على أبيه فخنقه، وخرج إلى الحرم، وأخذ البيعة من الأشراف. ثم إنه أحضر تابوتاً ودفنه ليظن الناس أنه مات، وكان قد دفنه سراً. فلما استقرت الإمارة له، أرسل إلى أخيه من ينبع يستدعيه، على لسان أبيه، وكتم موت أبيه عنه، فلما حضر أخوه قتله، واستقر أمره، فارتكب أمراًَ عظيماً، قتل أباه وعمه وأخاه، وذلك في أيام يسيرة، وقيل: إن حسناً واطأ جارية كانت تخدم أباه، فأدخلته عليه ليلاً. وقال الزنجاني مؤرخ الحجاز، وكان وزيراً لأبي عزيز (قتادة): وإخوته وأقاربه يزعمون أنه (أي حسن) قتل أباه خنقاً، واستعان بجارية وغلام في إمساك يديه، ثم قتلهما بعد ذلك لئلا يخرج الخبر، وزعم للناس أنهما قتلا أباه.

ثم يقول التقي الفاسي: ثم رأيت للحسن مكرمة صنعها بمكة، وهي أنه رد الموضع المعروف برباط الخرازين بالمسعى، الذي هو وقف على رباط السدرة بمكة، إلى فقراء الرباط المذكور بعد الاستيلاء عليه. انتهى، عن العقد الثمين، مادة حسن بن قتادة، باختصار.
وبمراجعة العصامي -رغم أنه ناقل في هذا الباب عن الفاسي -نجد عنده ما يضاف([182])، فقد قال: ثم وليها حسن بن قتادة عام سبع عشرة وستمائة، ووقع فيها قتال بينه وبين آق باش أمير الركب العراقي وهو مملوك تركي للناصر العباسي، عقد له الولاية على مكة وعلى كل بلد يدخلها، وسبب القتال أنه لما ورد آق باش([183]) أميراً، تعرض له راجح بين مكة وعرفة، فأمسكه الأمير المذكور (آق)، فأرسل أخوه حسن إلى الأمير موعداً له بمال جزيل لو سلم إليه أخاه راجحاً، فقال راجح للأمير: أنا أعطيك أضعاف ما وعدكم على أن تعينني أميراً على مكة، فوعده بذلك، فأرادا جميعاً -راجح وآق باش- دخول مكة فمنعهما حسن فوقعت الحرب، فصعد آق باس على جبل عرفة([184]) بما عنده من المنعة، فاحدقت به أعراب الشريف حسن فقتل وعلق رأسه في ميزاب الكعبة، وقيل رفع على رأس رمح في المسعى... الخ ما عند العصامي.
ومع اكتفائنا بما تقدم من النقل إلاّ أنني أردت أنا أناقش روايات المؤرخين هنا، وهي التي أكثر فيها على حسن من فعل الجرائم فأقول
1- كل الروايات التي نسبت إليه فيها جرائم، جاءت بصيغ التمريض (قيل ويقال وقالوا... الخ) حتى الزنجاني وزير قتادة لم يقل قال لي فلان أو فلانة.
2- هل كان بيت قتادة -وهو ملك الحجاز- خالياً من الرواد حتى يقوم حسن بكل هذه الأفعال دون أن يراه أحد؟ فأين زوجاته وخدمه، بل أين حرسه؟.
3- حسن قتل أباه ودفنه خفية، ودفن التابوت فارغاً! من ساعده على حمل أبيه ودفنه ودفن التابوت، فإذا قيل: الغلامين المذكورين ساعداه قبل قتلهما، فهل يكون هذا في بطن مكة، ويكون بسرية لا يراها إلاّ الله؟!.
4- والعجب من مؤرخي مكة أنهم لم يذكروا اسم معه ولم يذكروا اسم أخيه الذي قتله!.
فمن هو أخو قتادة؟! ذكر المؤرخون ونسُّابوا آل أبي طالب لقتادة أخاً واحداً هو (صرخة)([185]): قال العصامي وغيره: وكان لإدريس (ابن مطاعن) ابنان: قتادة النابغة وصرخة. فأما صرخة فولده بينبع يعرفون بالشكرة([186]). أما إخوة حسن فكما تقدم: راجح منافسه، ولم يقتل، والآخر جد الأشراف النمويين، لم يقتل، وإدريس، حكم بعد ذلك بمدة، فلم يبق إلا حنظلة، فإذا صدقت الرواية فإنه هو المقتول.
أما عزيز فأمره ليس بالقوي، لعله مجرد كنية لقتادة كعادة العرب يكنون أبناءهم وهم صغار، فإذا كبر وأنجب تجنب التسمية بتلك الكنية، ومن أمثال ذلك: أبو بكر، أم حبيبة، وأم عبد الله، رضي الله عنهم.
5- وأخيراً -ومقارنة بما نسمع من الدعايات في زمننا الحاضر- ألا تكون هذه إشاعات ألصقها به أخوه راجح لينفضَّ الناس من حوله؟!.جائز هذا، ولا أرى اجتماع تلك الجرائم جائز، والله أعلم، وهو الهادي إلى الصواب.أبناء حسن بن قتادة: ذكر له مؤرخوه: إدريس، أمير ينبع. وأحمد ومحمد وجماز، والأخير قد يذكر مع بعض بنيه فيما يتبع، وظلت إمرة ينبع في بني حسن هذا قروناً عديدة، والموجود اليوم منهم (الأشراف ذوو هجا) هجار: بالتخفيف وكسر الهاء، وهم من ذرية إدريس بن حسن ابن قتادة، والله أعلم.18- الشريف أبو سعد الحسن بن علي:( -651 هـ/ -1253 م): الأمير الشجاع الذي رد لإمارة آل قتادة شبابها بعد أن كادت تضمحل. ترجم له التقي الفاسي([187])، فقال: الحسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن (وبقية النسب في قتادة).أبو سعد، صاحب مكة وينبع. ولي إمرة مكة نحو أربع سنين، وسبب استيلائه على مكة، أن بعض كبار العرب من زبيد([188])، حَسَّن له الاستيلاء عليها، من قوات صاحب اليمن، وكانوا فرقتين، تخرج واحدة إلى أعلى مكة، والأخرى إلى أسفلها كل يوم، فحمل أبو سعد على إحدى الفرقتين فكسرها، فضعفت الأخرى عنه، فاستولى على مكة، وقبض على الأمير الذي كان بها من جهة صاحب اليمن، وكان صاحب اليمن قد أمره -أي أمر أبا سعد- بالإقامة بوادي مرّ (مر الظهران)، ليساعد عسكره الذي بمكة بقيادة ابن المسيب، فأخذ أبو سعد ما كان مع ابن المسيب من خيل وعدد ومماليك، وأحضر أعيان الحرم، وقال: ما لزمته إلاّ لتحققي خلافه على مولانا السلطان الملك المنصور، وعلمت أنه أراد الهرب بهذا المال إلى العراق، وأنا غلام مولانا السلطان، والمال عندي محفوظ، والخيل والعدد، إلى أن يصل مرسوم السلطان. فوردت الأخبار بوفاة المنصور.وقوي بموت المنصور أمر أبي سعد، فاستقل بمكة، ودامت ولايته عليها حتى قتل.. الخ. وكان قبضه على ابن المسيّب يوم الجمعة لسبع خلون من ذي القعدة سنة سبع وأربعين وستمائة. وقيل في آخر شوال سنة سبع وأربعين وستمائة، والخلاف بين المؤرخين في تأريخ استيلائه على مكة، لا يخرج عن شهري شوال والقعدة من هذه السنة.وذكر أيضاً: أن صاحب اليمن لما استولى على مكة في شهر رمضان سنة تسع وثلاثين، (وستمائة) بعث إلى صاحب ينبع أبي سعد هذا، فلما أتاه أكرمه وأنعم عليه واستخدمه واشترى منه قلعة ينبع، وأمر بخرابها، حتى لا تبقى قراراً للمصريين، وجعله بالوادي (وادي فاطمة اليوم) مساعداً لنوابه على مكة. وتوفي أبو سعد لخمس من شوال سنة (651هـ)، وفي معجم رمضان ابن مسدي: أن أبا سعد هذا قتل في أوائل رمضان سنة إحدى وخمسين وستمائة.وفي تاريخ ابن الفرات: أن أبا سعد قتل لثلاث خلون من شعبان سنة (651هـ).وقال ابن مسدي -في حق أبي سعد-: كان فاضل الأخلاق طيب الأعراق، شديد الحياء، كثير الحباء، جمع الشجاعة والكرم والعلم والعمل، وكان يشعر وينظم وينثر، إلاّ أنه نزع بآخرةٍ إلى هوى نفسه، واغتر يومه بأمسه، فحار عما كان عليه من الحزم، وحل عروة العزم، فأتي من مأمنه... الخ.ومن شعر أبي سعد على ما يقال: خذوا قودي من أسير الكِلَلْفوا عجباً من أسيرٍ قَتَلْانظر هذه القصيدة والكلام عليها في (هديل الحمام في تاريخ البلد الحرام)([189]).وأبو سعد بن علي هذا هو والد عبد الكريم، جد الأشراف ذوي عبد الكريم، ووالد أبي نمي (الأول) صاحب مكة. انتهى بشيء من التصرف بالزيادة والاختصار، عن العقد الثمين (حسن بن علي).قلت: 1- الأشراف ذوي عبد الكريم، المشار إليهم هنا، لا وجود لهم اليوم في حج وكانوا يعرفون إلى سنة (810هـ)، ثم اضمحلوا، والأشراف ذوي عبد الكريم المعروفون اليوم، هم منم ذرية بركات بن أبي نمي الثاني محمد بن بركات.2- غير عبد الكريم وأبي نمي (الأول) لحسن هذا ابن اسمه راجح.وإذا كان كما أسلفنا أن شيخ الإسلام السيد زيني دحلان، هو الأكثر اختصاصاً بتأريخ الأشراف، فلا بد أن يكون عنده زيادة نص أو إيضاح.. الخ.

فهو يقول: عن استيلاء صاحب اليمن على مكة: وأعرض عن راجح وأرسل يطلب الشريف أبا سعد الحسن بن علي بن قتادة، وولاه مكة([190])، فذهب الشريف راجح إلى المدينة، واستنجد أخواله من بني حسين على ابن أخيه الحسن بن علي (أبي سعد) فأنجدوه فخرج راجح معهم من المدينة، ومعهم سبع مائة فارس، قاصداً مكة، ومعهم الأمير عيسى الملقب بالحرون([191])، وكان فارس بني حسين في زمانه، فبلغ ذلك الشريف أبا سعد، وكان ابنه أبو نمي في ينبع، فأرسل إليه يطلبه، وعمر أبي نمي في ذلك الحين سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة، فخرج في أربعين من ينبع إلى مكة، فصادف القوم سائرين، فحمل عليهم بالأربعين فهزمهم، ورجعوا مغلوبين، وفي ذلك يقول السيد جعفر بن محمد بن معِيّة الحسني، وهو إذ ذاك لسان بني حسن في العراق
ألم يبلغك شان بني حسينٍ
وفرُّهم وما فعل الحرون([192])
فيالله فعل أني نميٍّ 
وبعض الناس([193]) يشبهه الجنون
يصف بأربعين([194]) على مئين
وكم من كثرةٍ ظلّت تهون
وبقية الخبر في ترجمة أبي نمي، لأنه له.
وكان أبو سعد من الشجاعة بالمحل الأعلى، وكانت أمه أم ولد حبشية، فيحكى أنه في بعض حروبه، فلحقته وهي في هودج فدعته، وقالت: يا بني إنك تقف اليوم موقفاً إن ظفرت فيه قال الناس: ظفر ابن رسول الله، وإن هربت قالوا: هرب ابن السوداء، فانظر لنفسك، فإنه لا موت قبل فراغ الأجل
ثم يسوق الدحلان ما لا يخالف ما تقدم. ثم: وفي سنة (651هـ) قدم الشريف (جمّاز ابن حسن بن قتادة) من دمشق في عسكر من الملك الناصر، فدخل مكة في رمضان، وقتل الحسن بن علي (ابن عمه... الخ)، وبقية الخبر في ترجمة جمّاز اللاحقة.
انتهى بتصرف من (خلاصة الكلام) ([195]).
ولم أر غير الفاسي والدحلان -من المؤرخين- من ذكر فيه ما تجب إضافته.
19- الشريف جَمَّاز بن حسن بن قتادة.لم تذكر وفاته، إلاّ أنه كان حياً سنة (653 هـ/ 1255 م):ترجمه في العقد الثمين، فقال: أمير مكة، وليها بعد قتله لأبي سعد (المتقدمة ترجمته قبله)، وذلك سنة (651هـ) وأخذ مكة، وأقام بها إلى آخر يوم من ذي الحجة، فتسلمها منه راجح بن قتادة عم أبي سعد المتقدم (وهو أيضاً عم جمّاز مدار البحث).ونقل عن ابن خلدون: أن جمّاز بن حسن هذا، سار إلى الناصر يوسف بن العزيز الظاهر صاحب الشام وحلب، يستعين به على أبي سعد بن علي بن قتادة، وأطعمه بقطع الخطبة عن صاحب اليمن، فجهز له عسكراً، وسار به إلى مكة.فلما وصل إليها نقض عهد الناصر، واستمر يخطب لصاحب اليمن، فلما كان في سنة (653هـ)، أخرجه منها راجح بن قتادة، فلحق بينبع.ثم يقول الفاسي: هكذا وجدت هذه الحكاية، وهي على ظاهرها لا تستقيم، لأنها تقتضي أن جمّازاً هذا ولي مكة في حياة ابن عمه أبي سعد، والمعروف أنه إنما وليها بعد قتل أبي سعد، ولا تستقيم هذه الحكاية، إلاّ أن يكون جمّاز استعان بالملك الناصر على أبي نمي بن أبي سعد، ويكون ذكر أبي نُميّ سقط سهواً.وفي هذا التأويل بُعد. وجمّاز هذا هو جد الأشراف ولاة ينبع في عصرنا، أيّ عصر الفاسي سنة (832هـ). انتهى بتصرف بسيط من العقد الثمين (جمّاز).المؤلف: وهم اليوم يسمون بني (هِجار) الجيم مخفف.وفي خلاصة الكلام([196]): وفي سنة (651هـ) قدم الشريف جماز بن حسن بن قتادة من دمشق، في عسكر من الملك الناصر، على أنه يأخذ له مكة، ويخطب له بها، فدخل في رمضان، واستولى عليها، وقتل الحسن بن علي بن قتادة، ثم نقض العهد السابق مع الناصر، وخطب للملك المظفّر صاحب اليمن، واستمر إلى الحج، فقدم عمه الشريف راجح بن قتادة بجيش، واستولى على مكة، وخرج جماز بلا قتال، وكانت هذه الولاية لراجح آخر ولاياته.المؤلف: ومن خلاصة الكلام، استفدنا: أن جمّازاً دخل مكة في رمضان، وقتل ابن عمه والناس صيام، في بلد الله الحرام، فجوزي بزوال ملكه قبل أن يتم أربعة أشهر، فنعوذ بالله من الحوب.ومنه عرفنا أن ابن راجح قتادة عاد إلى مكة بعد ملك أبي سعد وجماز، وملكها آخر ولاية سترى في ترجمة ابنه غانم التالية.ثم لم أر من ذكر وفاة جماز هذا، ولا عد بنيه، غير أن أشراف ينبع ذوي هجار ينتسبون إليه كما تقدم.20- الشريف راجح بن قتادة (ت 654 هـ/ 1256 م): الشريف راجح بن قتادة بن إدريس بن مطاعن، وبقية النسب تقدم في ترجمة أبيه قتادة.كان راجح أكبر أولاد قتادة، ولكن حسناً حاز الإمارة عنه، فظهر راجح مظهر المغبون، وكثرت حركته، واستنجد بالكثيرين، ولكن لم يوفق للإمرة المستقلة. وجاء ذكره في التأريخ أعطر من ذكر أخيه المتقدم، ولعل له دوراً في تشويه سمعة أخيه. ولا يكاد راجح هذا يعرف بين المؤرخين إلاّ بأمير السِّرين، فقد حازها طيلة حياته، وولي أيضاً معها مخلاف حلي وشيء من المخلاف السليماني حسب النصوص اللاحقة([197]). ترجم له تقي الدين صاحب العقد الثمين([198]) ترجمة استوعبت جل أخباره إن لم تكن كلها، فإليكها مع إلحاقات وتعقيبات، وشيء يسير من الاختصار:قال الفاسي: راجح بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم الحسني المكي، أمير مكة. ولي إمرتها أوقاتاً كثيرة كما سيأتي بيانه، وجرى له في ذلك أمور نشير إليها: لأنه لما مات أبوه، رام الإمرة بمكة، فلم تتهيأ له الغلبة أخيه حسن بن قتادة على ذلك.



 

bottom of page